مع بروز ثورة المعلوميات في العالم العربي، والتي واكبها جهل في استخدام التقنيات الجديدة التي أتت بها، وغياب وعي شبابي عربي، أصبح العالم الرقمي مليئ بالعديد من الظواهر السلبية ، ومن بينها الإبتزاز الإلكتروني، وخصوصا الذي يكون بدافع الجنس والعلاقات فيما بين الذكور والإنات، لذلك وجب علينا عزيزي القارئ كأفراد ننتمي لهذا المجتمع الرقمي، أن نأخد الحيطة والحذر ونعمل في ما وسعنا لتنوير المستخدمين وخصوصا تلك الفئة التي تتصرف مع التقنية بكل ثقة وتتساهل في الكثير من الأمور ...
في هذا المقال سأحاول أن أتطرق معك عزيزي القارئ لكل ما يخص هذا النوع من الجرائم التي أصبحت جرائم عابرة للقارات و أصبح من الصعب الإحاطة بها من طرف المعنيين بالأمر حيث تتزايد يوم على يوم وتنتشر في صمت رهيب، خصوصا في ظل غياب وسائل الإعلام وترك دورها في إيصال المعلومة للمواطن بمصداقية ..
أولا : كيف يقع المستخدم في قبضة المبتزين ؟؟
أغلب المحتالون يختارون ضحايهم بعشوائية ولا يستهدفون أشخاصا بحد ذاتهم، حيث يعملون على إنشاء حساب وهمي على شبكة التواصل الإجتماعي فايسبوك أو تويتر أو غيرها من الشبكات، ويعملون على تزيينها بصور مثيرة ومغرية من شأنها أن تجلب لهم مستخدمين جاهلين بطرق النصب والأحتيال وساعين وراء الجنس والمتعة عبر النت، ومن هنا يشرعون في الإضافات، بعد ذلك يدخلون في دردشة معهم، ويحاولون كسب ثقة وتوطيد العلاقة فيما بينهم، بعدها يطلبون إجراء مكالمات صوت وصورة وهنا يقع الغالبية من المستخدمين في فخ الإبتزاز، حيث أن الأشخاص الذين يسعون وراء العلاقات الجنسية أو التودد للفتيات وتكوين العلاقات عبر النت، يعتبرون فريسة سهلة للمبتزين ، فعندما يقبل الشخص المحادثة، يقوم المبتز بتشغيل مقطع فيديو لفتاة كان يحتفظ به في حاسوبه سابقا (يكون قد حصل عليه من أحد المواقع التي تنشر الفضائح، ويمكن أن يكون المقطع يعود لشخص سابق كان قد وقع في قبضة هذا المبتز سلفا) وبما أن الشخص الذي يتحدث مع المبتز يكون غالبا غير واعي ولا يعلم أي شيء على هذا الموضوع فإن الحيلة تنطلي عليه بسرعة ويصيبه هيجان حين يُعرض له مقطع فتاة وهي عارية، ليشرع بعد ذلك هو الآخر في التعري أمام الكاميرا وممارسة العادة السرية مع فتاة وهمية، وهنا يكون المبتز يسجله، وفور انتهائه من المحادثة يتفاجئ برسالة من المبتز يهدده إما ببعث المال أو فعل أشياء معينة أو أن ينشره في النت ويفضحه، وهنا تبدأ معاناة أخرى نفسية ، قد تصل لحد الإنتحار إذا لم يكن الإنسان قويا ومتماسكا نفسه .
هذا بالنسبة للذكور، أما الفتيات فهناك عدة طرق يستخدمها المبتزون لإيقاعهم في هذا الفخ ، فالطرق التي يقع بها الفتيات مُتعددة ، ولكن سنتطرق لبعضها حسب الحالات التي توصلت بها سابقا، هناك من يقع من الفتيات بنفس الطريقة التي يقع بها الذكور أي أن المبتز يُشغل لهم مقطع من حاسوبه ويعرضه لهم على الويب كام كأنه مقطع لبث حي، لكن في الحقيقة يكون مقطعا لشخص آخر كان يمارس العادة السرية وتم فضحه على الشبكة أو حصل عليه المبتزون بطريقتهم الخاصة، كما أن هناك من يقع من الفتيات نتيجة لثقته الزائدة بالطرف الأخر، أي قد تكون الفتاة على علاقة بشاب أخر سواء من نفس دولتها أو من خارج دولتها ويكون قد وعدها بالزواج أو ما شابه ذلك، وهي وضعت ثقتها الكاملة فيه بكل سهولة وكشفت عن جسمها وسجلها، أو هي قد تكون قد أرسلت له مقاطع مرئية أو صور وهي عارية أو شبه عارية، والمبتز هنا قد يكون إما وقع بينه وبين الفتاة مشكل ما وأراد أن ينتقم ويحول حياتها لجحيم، أو كان هدفه من الأول هو تحصيل المال أو الضغط عليها بتلك الصور او المقاطع لكي تنام معه في الواقع .... ويشرع في تهديدها بنشر تلك المواد التي تسيئ لسمعتها في حالة لم تستجب لمطالبه. كما أن هناك من تصور نفسها وتحتفظ بتلك الصور على حاسوبها أو هاتفها ويقع إما اختراق أو ضياع للجهاز ويقع في يد شخص غريب ويشرع في ابتزازها عن طريق المواد التي حصل عليها .. فأساليب وقوع أغلب الأشخاص في فخ الإبتزاز تعددت لكن العواقب متشابهة، نفسية مدمرة ، وحياة أشبه بالجحيم ، ومعاناة وخوف رهيب ...
إرشادات ونصائح وقائية :
صديقي القارئ ، صديقتي القارئة : لا تنسى أبداً أنك تتواجد في عالم أخطر بكثير من العالم الحقيقي الذي نعيش فيه ، فالنت هو عبارة عن عالم كبير ، تتواجد به كل الظواهر المتواجدة في العالم الحقيقي بل وأكثر منها، فالنت أيضا يوجد فيه الصالح والطالح، لكن إياك أن تضع دوما الثقة من أول لقاء أو أول محادثة، بل عليك دوما أن تكون على حذر وتحاول أن تعرف أولا مع من تتحدث وتكون لديك معلومات كبيرة عن الطرف الأخر لكي تضع فيه نسبة قليلة من الثقة، إضافة لذلك عليك أن تستخدم عقلك أمام الحاسوب وليس عواطفك وأحاسيسك، كما يجب عليك أن تكون دوما مُلما بالجديد في التقنية، ولك المعرفة الكافية لطرق التعامل مع هذه الوسيلة بمعنى أخر ألا تكتفي دوما بقضاء الوقت في هذا الفضاء وأنت تدردش أو تشاهد مقاطع مضحة ، بل عليك البحث عن المعرفة وتوعية نفسك وتكوين ذاتك لأن في هذا الزمن، المعرفة والعلم هو السلاح الذي يساعدك على المواجهة وضمان العيش ...
نصائح لمن وقعوا في فخ الإبتزاز :
إن أول ما يُفكر فيه من وقع في الإبتزاز هو كيفية التخلص من المبتز، ويظهر له أن الحل هو أن يحاور المبتز ويحاول اقناعه عبر البكاء والتوسل له بعدم فضحه، وهذا من أكبر الأخطاء قد تكون ترتكب ، فالمبتز لن يسمع لك، ولن يفهم حالتك فهو في تلك اللحظة يكون قد تجرد من كل الأحاسيس والعواطف، بالإضافة إلا أن الإكتفاء بالبكاء والتوسل، لم يكن يوما من الأيام وسيلة لحل المشاكل ، لذلك في حالة كنت فريسة لمبتز ما فعليك ألا تفكر فهذه الطريقة، كما يجب عليك أيضا تفادي التفكير في مسألة تهكير جهازه لأنها هي الأخرى ليست بحل مناسب، فمن لديه مقاطع لك أو مواد يضغط عليك بها، تعتبر في نظره غنيمة لن يهملها بل سيحاول حمايتها والحفاظ عليها بشتى الطرق، لأن أغلب من أصبحوا يتخدون من الإبتزاز وسيلة لتحصيل المال يعلمون جيدا أن الغالبية قد تفكر في هذا الخيار لذلك يلجئون لحفظ تلك المواد في مكان آمن "قرص مدموج، أو كارت ميموري أو فلاش ميموري أو قرص صلب خاريجي غير موصول بالحاسوب ..." ، لهذا يكون من الواجب عليك في حالة كنت لا زلت على تواصل مع المبتز أن تجمع عليه أكبر قدر من المعلومات لتتعرف على هويته الحقيقة، كما وجب عليك التوجه فورا لقسم مكافحة الجرائم الإلكترونية المختصة في هذه الحالات وتضع شكوى قضائية لأن الشرطة هي التي لها الصلاحية الكاملة للوصول للمبتز وإلقاء القبض عليه وحجز أجهزته وما يمتلك من غنائم، وعليك أن لا تتردد في هذا الخيار لأنه الحل الأنسب لك والذي يضمن لك الخروج بأقل الأضرار من المأزق الذي وقعت به، كما عليك التوجه لسفارة البلد الذي يقطن به المبتز في حالة كان خارج دولتك وتضع شكايتك هناك أيضا لكي تعمل تلك الدولة التي ينتمي لها المبتز على أخد هذه الأمور على محمل الجد وتقع ضغوطات دبلوماسية بين البلدين من أجل تشريع قوانين صارمة على هذه الجرائم وكذلك لتُكثف الجهود في محاربة هذه الظواهر الدخلية ...
جزء من مناقشة مع القاضي المغربي السابق محمد قنديل حول الإبتزاز من الوجهة القانونية :
رضوان زريعة : هل من وقع في الابتزاز الذي تحدتث عنه (الإبتزاز المرتبط دوما بالجنس والتقنية) المنتشر بشكل كثيف في الوسط العربي ، بالحالات التالية : (في حالة شخص ما انتحل هوية فتاة وعمل على تزين الحساب بصور مغرية وبعد ذلك استدرج الشخص الذي وقع في الابتزاز إلى السكايب وقام بإغراءه وأخد منه مقطع فيديو أو صور بعدما إنطلت عليه الخدعة التي يقوم بها المبتزون وبعدها قام بتهديده / أو في حالة سقط من شخص ما الهاتف أو كارت ميموري وحصل عليه أخر ووجد بها صور أو مواد مرئية وقام بإبتزاز صاحب المواد المرئية والصور / أو في حالة إخترق أحد ما حاسوب شخص وأخد مقاطع ومواد وشرع في ابتزاز صاحبها . / وأيضا في حالة شاب يبحث عن العلاقات الغير الشرعية ويقوم بإضافة الفتيات وتصادف مع مبتز منحتل لهوية فتاة وخدعه حتى صوره في وضعية غير أخلاقية ومن تم شرع في تهديده إما بإرسال له المال أو أن يفضحه ) هذه الحالات هل يُعتبر القانون المغربي الأفراد الذين وقعوا فيها ضحايا أم لهم مسؤولية أو بالأحرى هل يمكن أن يكون أحد المبتزين (الذين وقعوا في الابتزاز) دخلواا في جنحة أو جريمة معينة . من الناحية القانونية ؟؟
الأستاذ القاضي محمد قنديل : مصطلح الإبتزاز جامع مانع لجميع حالاته, و من هنا يجب أن تميز ما بين الجرائم المعلوماتية و الجرائم المستخدمة عن طريق النظم المعلوماتية, و هنا مكمن الإختلاف بين الجريمتين. فالجرائم المعلوماتية تكون الضحية المباشرة فيها هو النظام المعلوماتي, أما الجرائم الأخرى التي تستخدم النظم المعلوماتية كوسيلة لإنجازها تعتبر جرائم عادية جدا و تخضع للنصوص التقليدية (نصوص القانون الجنائي). و منه لا نحتاج لنص جديد يعاقب الإبتزاز الجنسي أو الإلكتروني لأنه أصلا هو الإبتزاز, حيث تصبح وسيلة الضغط (التهديد) هي النظام المعلوماتي و هي نفس الصورة لشخص يستخدم نشر الصور بتعليقها في أصوار الحي لا يوجد إختلاف في مضمون الجريمة (أركانها).
- فيما يخص السؤال الثاني بالنسبة للحالة الثالية "في حالة شخص ما انتحل هوية فتاة وعمل على تزين الحساب بصور مغرية وبعد ذلك استدرج الشخص الذي وقع في الابتزاز الى السكايب وقام باغراءه واخد منه مقطع فيديو او صور بعدما انطلت عليه الخدعة التي يقوم بها المبتزون وبعدها قام بتهديده" و منه لكي أشرح النازلة جيدا محمد نصب كمين لمصطفى و بعدها صوره بالفيديو في حالة الاستمناء بدون علم مصطفى. هل يمكن محاسبة مصطفى على الاستمناء و على الفيديو المنشور. الجواب لا يمكن ذلك. لأن مصطفى لم يرتكب جريمة فهو ضحية لجريمتين (الجريمة المعلوماتية) و المتمثلة في الدخول لنظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال (الفقرة الأولى من الفصل 607-3) و كذلك لأنه أدخل معطيات في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات (الفصل 607-6) و يمكن تصور حالة صنع تجهيزات أو برامج لأجل ارتكاب هذه الجرائم (الفصل 607-10). و الجريمة الثانية هي الإبتزاز المعاقب عليها بمقتضى الفصل 538 من القانون الجنائي.
- فيما يخص الحالة "أو في حالة سقط من شخص ما الهاتف أو كارت ميموري وحصل عليه أخر ووجد بها صور او مواد مرئية وقام بابتزاز صاحب المواد المرئية والصور. هنا نتكلم عن نوع المواد المرئية: إذا كانت مجرد صور لضحية في أوضاع معينة لا يمكن أن تكون جريمة و أن الجاني في هذه الحالة ارتكب جريمة من جرائم السرقة المعاقب عليها بالفصل 527 من القانون الجنائي, و جريمة الإبتزاز 538 من القانون المغربي. أما إذا كانت التسجيلات أو الصور عبارة عن صور خليعة أو منافية للأخلاق و الأداب العامة فهنا يمكن اعتبار ضحية الجرائم أعلاه فاعل رئيسي لجريمة انتهاك حرمة الآداب العامة, لأن ما قام به أصلا في هاتفه يخرق مقتضيات الفصل 59 من قانون الصحافة. غير أن هذا الأخير يمكنه الدفع بأن ما "بني على باطل فهو باطل" و يمكن أن لا تعتد بالصور المضبوطة لأنها محصل عليها عن طريق جريمة ألا و هي السرقة و الابتزاز .
- فيما يخص الحالة "أو في حالة اخترق احد ما حاسوب شخص واخد مقاطع ومواد وشرع في ابتزاز صاحبها فهنا نتكلم عن جريمتين الابتزاز و الجرائم المعلوماتية التي سبق الإشارة لها و نفس طرح الصور أعلاه المتعلق بالهاتف .
- فيما يخص الحالة "وأيضا في حالة شاب يبحث عن العلاقات الغير الشرعية ويقوم باضافة الفتيات وتصادف مع مبتز منحتل لهوية فتاة وخدعه حتى صوره في وضعية غيير اخلاقية ومن تم شرع في تهديدها اما بارسال له المال أو أن يفضحه" ) فهنا نتكلم عن جريمة الابتزاز. كما سبق و صرحتها .
وفي الأخير، يجب علينا تكثيف الجهود ووضع اليد في اليد للمُضي قُدما نحو ترسيخ وعي معلوماتي في الوسط العربي، ويجب علينا عدم الإكتفاء بإصدار الأحكام فقط، بل علينا ممارسة دورنا الإجتماعي حتى في العالم الرقمي لأنه أصبح جزئا من حياتنا وأصبح يُخرج لنا بعض المجرمين ويبرز لنا عدة ظواهر لها عواقيب وخيمة تجاه مجتمعنا الحقيقي .